التخطي إلى المحتوى

المصدر: المدن

الكاتب: جنى الدهيبي

في غمرة طوفان التصريحات من مختلف القوى السياسية حول ملف اللجوء السوري، وموجة النزوح المستجدة والمتدفقة من المعابر الحدودية غير الشرعية، ثمة موقفان سياسيان بارزان صدرا خلال الأيام الماضية؛ وإن كانت تصريحات أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، هي الأولى من نوعها، والأكثر إثارة وغرابة.   

الخيبة وعدم الوضوح
الموقف الأول، جاء على لسان وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب، بعد عودته من نيويورك خالي الوفاض من أيّ تصور أو نتيجة. ورغم أن بو حبيب وضع الملف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمنزلة القضية الوجودية والتي يتجاوز خطرها الشغور الرئاسي، اتهم صراحة، المجتمع الدولي بأنه اتخذ قرار عدم عودة السوريين إلى بلادهم، على قاعدة أن سوريا غير آمنة.  

جولة بو حبيب المخيبة في نيويورك، دفعته للإعلان عن اتفاق مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، بزيارة مرتقبة إلى دمشق. لكنه في تصريح مواز، وكتمهيد لنتيجة محتمة، أعلن بأنه حتى لو ذهب إلى سوريا، “مش رح شيل الزير من البير”.  

وفي استكمال لسياسة عدم الوضوح، أعلن بو حبيب أيضًا، أن ثمة فريقًا مختصًا في وزارته يعمل على وضع مقترحات لبحثها مع دمشق، وللاستماع ما لدى النظام السوري من مقترحات لحل أزمة النزوح. وكأنه يقول: “فقدنا الأمل من المجتمع الدولي، وسنرتجل الحلول بصورة ثنائية ومباشرة مع سوريا”. بالطبع، لا يتوقع وزير الخارجية أن يجد مقترحات موازية لدى النظام السوري لتسهيل عودة السوريين، في وقت يحسم أن زيارته إلى دمشق لن تثمر عن نتائج مبهرة.  

لكن، وفي مراقبة لمواقفه الأخيرة، يرى كثيرون أن مواقف وزير الخارجية شديدة الالتباس والتلاعب على حبلي المجتمع الدولي والنظام السوري، في تكثيف للسلوك الذي يمارسه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. فهو تارة يعكس حماسة ميقاتي بتشكيل وفد وزاري لزيارة دمشق، وتارة يغرق بالخلافات والصراعات مع زملائه الوزراء الذين يتخبطون بإدارة ملف اللجوء، نتيجة حالة الضياع التي تغذت من سلوك ميقاتي معهم. ثم طورًا يصبح بو حبيب رئيسًا لوفد يؤجل زيارته منذ أشهر. وربما يترجم التباس مواقفه بالمعادلة التالية: فهو نيابة عن حكومة ميقاتي، يقدم تبريرات قد تصل إلى مرتبة الاعتذار غير المباشر من رئيس النظام السوري بشار الأسد، على قاعدة أن كل ما يصدر عن لبنان الرسمي بملف النزوح، هو تحت ضغط المجتمع الدولي، وأنه حتى لو ذهب لبنان إلى دمشق، “لن يشيل الزير من البير”، أي لن يسمح بإعادة السوريين، ولن يغلق الحدود بوجههم، خلافًا لإرادة النظام وأوراقه السياسية. وهو أيضًا، ونيابة عن حكومة ميقاتي، يبرر مواقف لبنان الرسمي أمام المجتمع الدولي، بأنها للضرورة تحت وطأة الضغط الداخلي، وبأنه مهما صعد في المواقف والمطالبة بالمساعدات، لن يبلغ خطوة إعادة السوريين إلى بلادهم خلافًا لإرادة المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي.  

التصعيد والتهديد
الموقف الثاني، والأكثر تقدمًا، هو الصادر عن حزب الله بلسان أمين عامه، حيث كان لأول مرة بهذا الوضوح المباشر في التصعيد والتهديد بملف النازحين. وإذا كان من الطبيعي أن يربط نصر الله بين النزوح السوري إلى لبنان وبين عقوبات قانون قيصر المفروضة على سوريا، وتحميله لواشنطن مسؤولية هذا الواقع؛ لكن الجديد، دعوته الدولة اللبنانية، بالسماح لمن يرغب من النازحين بالاتجاه إلى أوروبا، وفي سفن مجهزة بدل تركهم لقوارب الموت، حتى “تأتي الدول الأوروبية خاضعة إلى بيروت لتقول ماذا تريدون لإيقاف هذه الهجرة. وهذا ما قامت به تركيا”.  

في السياسة، قد لا ينفصل موقف نصرالله المستجد بملف النزوح عما وصل إليه الملف الرئاسي من انسداد بأفق التسويات، حتى صارت قضية النازحين من أكثر الأوراق دسامة للتفاوض والابتزاز لدى مختلف القوى السياسية.  

لكن على مستوى آخر، يرى البعض أن ثمة خشية لدى الحزب مما يُحكى عن تسلل مسلحين بين أفواج النازحين المتدفقة من الحدود البرية غير الشرعية. أو أنه يسعى لمساندة النظام السوري بالضغط على المجتمع الدولي، بعد تراجع وتيرة الانفتاح عليه، وعدم اتضاح مستقبل إعادة إعمار سوريا وثمنه السياسي.  

غير أن تهديد نصرالله بإرسال سفن محملة باللاجئين إلى الساحل الأوروبي، قد يضمر وفق مراقبين، إشارة لحث الجيش اللبناني على إعادة التخفيف من وتيرة الرقابة على الشواطئ، وإفساح المجال أمام ازدهار التجارة البحرية غير الشرعية للمهربين والسماسرة بين لبنان وسوريا، كما هو الحال على الحدود البرية.  

لكن، وفي قراءة أخرى، قد يبلغ هذا التصعيد مرحلة إرسال ولو سفينة واحدة مجهزة ومحملة بالسوريين، في استرجاع للتهديد الذي أطلقه نصرالله ضد واشنطن قبل عامين ونفذه، باستقدام سفينة إيرانية محملة بالوقود إلى لبنان.  

الفرقة الرابعة
أما المعطى المحوري، الذي لا يتناوله حزب الله، وكذلك مختلف الأطراف السياسية والرسمية ومن خصومه التاريخيين من رموز 14 آذار، هو تحميل الجيش السوري، وعلى رأسه الفرقة الرابعة، مسؤولية السماح بدخول السوريين عبر المعابر البرية غير الشرعية، ودورها الخطير، بعدما أضحت تجارة مزدهرة لعناصرها مع شبكات السماسرة والمهربين.  

قبل أكثر من أسبوع، شهدت منطقة القلمون الغربي القريبة من الحدود اللبنانية السورية، والتي لحزب الله وجود فيها، مقتل نحو أربعة عناصر في هجوم على حاجز للفرقة الرابعة في بلدة الجبة. وحسب معطيات ميدانية، من المرجح أن من نفذوا الهجوم هم من المهربين الناشطين هناك على خط سوريا ولبنان، وأن هذه الحوادث تتكرر بشكل مستمر بفعل الصراعات والخلافات بين المهربين ومع عناصر الفرقة الرابعة حول الإتاوات والرشاوى وعمليات الابتزاز في تأجير مسالك التهريب.  

وإلى جانب تطور حزب الله بموقفه، كذلك فعل خصمه الأشد حزب القوات اللبنانية مؤخرًا، مع دعوة النائب جورج عدوان بوقف تقديم مساعدات للسوريين في لبنان. 

وفي ظل تصاعد الهجوم على مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين السوريين (UNHCR)، واتهامها بجذب السوريين إلى لبنان مقابل الحصول على المساعدات المالية، تفيد معطيات “المدن”، بأن التطورات الأخيرة بالمواقف السياسية اللبنانية، وعلى رأسها موقف حزب الله، وقبله حزب القوات اللبنانية، إضافة إلى سلوك الخارجية اللبنانية، موضع قراءة إقليمية واسعة لدى الجهات الدولية المعنية بالملف.