التخطي إلى المحتوى


يمارس اللاعبون في الداخل لعبة التعطيل وتحسين الشروط والحظوظ، ولعلّ أبرزهم رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي يصعّب المهمة على حليفه «حزب الله»، فتارةً يهدّد بترشّحه للرئاسة وتارةً أخرى يضع «فيتو» على كلّ من رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزاف عون. في الوقائع، وبعد الجلسات الانتخابية الثلاث، يتبيّن أن لا اتفاق بعد على مرشح بين كتل فريق الثامن من آذار. كذلك كشفت هذه الجلسات أنّ تأمين 65 صوتاً لمرشح «المعارضة السيادية» النائب ميشال معوض بات قريباً من الاستحالة. وبما أنّ إيصال أي مرشح الى الرئاسة يتطلّب نصاب الثلثين لانعقاد الجلسة، ما لا يملكه أي فريق أو أكثرية، فإنّ تركيبة هذا المجلس تعزّز موقف الداعين الى التوافق لانتخاب رئيس.

«حزب الله» كان أوّل الداعين الى التوافق، حتى قبل الانتخابات النيابية في أيار 2022، إذ إنّ «أحداً لا يمكنه الحكم وحده، حتى لو طاول رأسه السماء، فطبيعة لبنان وتركيبته الطائفية تفرضان التوافق… ومن مصلحة الجميع التوافق على الرئيس»، كما قال رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد في نيسان الفائت. ويبدو أنّ «حزب الله» ينتهج الواقعية في هذه المرحلة انطلاقاً من دوره في عملية الاتفاق على الترسيم البحري. ويعلم أنّ ظروف إيصال باسيل الى الرئاسة غير متوافرة، وتعتبر مصادر قريبة من «الحزب» أنّ مسألة ترشح باسيل «مزحة»، واضعةً تلميحه هذا في إطار الضغط على «الحزب» ليضغط بدوره على الرئيس المكلف تأليف الحكومة نجيب ميقاتي لتعزيز موقع باسيل في الحكومة المرتقبة. أمّا ورقة ترشيح فرنجية فلن «يلعبها» «الحزب» باكراً، بل في الوقت المناسب، إذا كان هناك من فرصة لذلك. ومجرّد دعوة «الحزب» الى التوافق يعني أنّه منفتح على البحث في أسماء من خارج فريقه السياسي استراتيجياً، لكن بالتأكيد مع ضمانات.

المؤكد لدى «الحزب» بحسب “نداء الوطن” أنّ وصول رئيس من الفريق الآخر أو «رئيس تحدٍّ» ممنوع، فيما لا «فيتو» على اسم الوزير السابق زياد بارود إذا جرى التوافق عليه. أمّا قائد الجيش العماد جوزف عون فعلى رغم أنّه ليس من بين مرشحي «الحزب»، إلّا أنّ من يعرف موقف «الحزب» يؤكد أن لا «فيتو» عليه، في مرحلة معيّنة. وفي حين لا يحبّذ «الحزب» وصول العماد عون الى الرئاسة، إلّا أنّه قد «يمشي» به ضمن تسوية داخلية – خارجية، إذ إنّ كلّاً من الداخل والخارج على حدّ سواء بات مقتنعاً بأنّ سلاح «الحزب» لا يُنتزع بالقوة بل هو رهن تطوّرات إقليمية ودولية وحوار داخلي متى يحين وقته، على رغم الأصوات المرتفعة علناً ضدّه، وبالتالي أي رئيس سيُنتخب لا يمكن أن يشكّل خطراً على «الحزب» على هذا المستوى.

وإذ يعارض باسيل انتخاب قائد الجيش بحججٍ دستورية، إلّا أنّ التسوية متى جرى التوصل إليها فستشمل طريقة الانتخاب، وهي «محلولة» أساساً، انطلاقاً من تجربة سابقة واجتهاد تبنّاه مجلس النواب، بحيث إنّ رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان انُتخب بعد فراغ دستوري من دون أن يكون استقال من قيادة الجيش قبل سنتين على انتخابه، وأي كتلة نيابية لم تقدّم طعناً بانتخابه، وبالتالي من يعترض على انتخاب قائد الجيش بالطريقة نفسها الآن يكون قد ناقض نفسه. من جهته، لا يزال قائد الجيش يهتم بالشؤون العسكرية كأنّه غير معني بهذا الاستحقاق، أمّا باسيل فيعارض انتخابه كما قال بشكل واضح منذ أيام، لأنّه لن يكون في «جيبه»، فالخلاف الأساس بين الرجلين يكمن في عقلية باسيل لجهة أنّ الجميع يجب أن يكون تحت «جناحه»، فيما قائد الجيش يرفض مجاراته. وعلى رغم أنّ «حزب الله» لا يمكنه تخطّي باسيل رئاسياً، إلّا أنّ انتخاب قائد الجيش إذا أصبح وارداً فسينتج عن تسوية وبعد لعب جميع الأفرقاء أوراقهم، وبعد فراغ، وربما أحداثٍ ضاغطة، وبالتالي تصبح الأوضاع آنذاك أكبر من «زعل» أو «إرضاء» أي طرف، وما كُتب سيُصبح واقعاً وستكون مواجهته متعذّرة أو باهظة الثمن.

Scan the code