التخطي إلى المحتوى

متابعة: جيهان شعيب

«كونوا أهلاً لهم»، دعوة أضحت تتكرر في رسائل «واتس آب»، ويتبادلها كثير من مواطني الدولة، للتجمع، والتوحد، عند وفاة أحد المقيمين وحيداً، من دون وجود أسرته معه، أو أقرباء إلى جواره، للقيام بالواجبات المقررة في حالات الوفاة، من التغسيل، والتكفين، وتلقّي العزاء، تجسيداً لمبدأ التكافل الاجتماعي والمساندة والرحمة، الذي تتميز به أرض زايد الخير.

ولا شك في أن مجتمع الإمارات كان حاضناً لكل من يقيم فيه، وينعم بخيراته، ويتمتع بأمنه وأمانه، منذ قيام الاتحاد، حيث احتوى الجميع، وشملهم بالمودة، والرأفة، والمساواة، وكان دائماً متيحاً الفرص لكل من يفد إليه، وفاتحا أذرعه على وسعها لاحتضان الجميع، من دون تفرقة، أو تمييز.. ففي كفة تراحمه ووفائه وتعاونه ومساندته وتآزره ودعمه، الكل واحد.

منذ البداية ساد الإمارات نظام «الفزعة» الذي يقوم على التضامن الاجتماعي بين الأفراد في الأفراح والأتراح، استناداً إلى تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، فالدعوة للاحتشاد لتشييع مقيم أو آخر، توفي من دون أهله، ليست بجديدة، وإن كانت تفتح باب الحديث عن الأصالة التي تميز بها مجتمع الإمارات.

يقول على مصبّح بن حمود الكتبي: العلاقة بين المواطنين والمقيمين في الإمارات يسودها الودّ والاحترام المتبادل، لكون الإخوة الوافدين كان، ولا يزال، لهم دور مهم في تأسيس الدولة، فمنهم المعلم والمهندس والطبيب، وغيرهم في مختلف المهن، وجميعهم يشاركون المواطنين في حب الوطن، لذلك تطورت العلاقات الاجتماعية بينهم، وأصبح الطرفان يتشاركان في الأفراح والأتراح، وأسأل المولى عز وجل أن تدوم هذه العلاقة الطيبة.

صفة متأصلة

فيما تقول فاطمة المغني: بالفعل كثيراً ما ننعى بعض الذين وافتهم المنية، وهم بعيدون عن أهلهم وذويهم، فيتهافت المصلّون إلى المساجد، ليصلوا صلاة الجنازة على هذا الفقيد، أو هذه الفقيدة، وهم يرددون «كونوا أهلاً لهم»، فيتعاونون في الغسل والتكفين وخيم العزاء، فيشعر المرء بأن الجميع صف واحد في السرّاء والضرّاء.

والحقيقة أن شعب الإمارات يرحّب بجميع أبناء شعوب العالم الذين يزورونها سياحاً، أو من أتوا للمساهمة في بناء النهضة المباركة التي بدأت ملامحها منذ قيام الاتحاد، على يد والدنا المؤسس المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه.

فكل من أقام بيننا يعي تماماً هذه الصفة المتأصلة في قيادتنا الرشيدة، وشعب الإمارات الأصيل، فكان الوطن حضناً لمن لا وطن له، أو لمن أقام في الدولة، وعدّها وطنه الثاني، وها هم اليوم إخواننا العرب، أو الذين أتوا من جهات العالم الأربع من الوافدين، يتمنون أن يعيشوا في بلد الأمن، والأمان، بلد المئتي جنسية.

قصص واقعية

وهناك كثير من القصص الواقعية التي تؤكد أن الأوطان الحقيقية ليست المكان الذي ولدنا فيه، ولكن الوطن الحقيقي هو الذي نعيش فيه بأمن، وأمان، والذي نحقق فيه الاستقرار، ونذوق فيه طعم العيش الكريم نحن، ومن نحب، والذي يضم رفاتنا بعد الرحيل، فكم من شخص جاء للعمل، وانتهى به المطاف للعيش الأبدي في دولة الإمارات.

وليس هناك أصدق ما يدل على أن الإمارات تغيث المظلوم، وترحم المحتاج، من أزمة «كورونا» التي عصفت بالعالم أجمع، عندما قال صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، كلمته الأصيلة للجميع «لا تشلّون هم».

مبدأ التكافل

وعن كفالة القانون لحقوق الجميع على أرض الإمارات من دون تفرقة، يذهب المحامي حسين آل علي، إلى أن ما نراه في دولة الإمارات، من تكافل اجتماعي بين جميع أطياف المجتمع، يدعونا للفخر، فضلاً عن أن ما توليه القيادة الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، من الاهتمام بأفراد المجتمع، وتوفير سبل العيش لهم، يعدّ من الأمور النادرة التي لا تحدث في كثير من الدول.

ويقول: التسامح والتعاون والتعاطف بين المواطنين والمقيمين من جميع الجنسيات والديانات والطوائف، خير شاهد على الترجمة الفعلية لمفهوم التكافل بين الناس، وذلك يترجم واقعاً عبر الجمعيات الخيرية التي تساعد أفراد المجتمع على تخطي عثراتهم، بالدعم المقدم لهم، بل امتدّ التكافل الإماراتي إلى العالمية، لتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية للمجتمعات التي تحتاج أوضاعها المعيشية إلى تحسين.

القانون والتكافل

من ناحية أخرى، نرى أن القانون اهتم بمبدأ التكافل الاجتماعي أيضاً، حيث نصت المادتان 14 و40 من دستور دولة الإمارات على أن: المساواة، والعدالة الاجتماعية، وتوفير الأمن والطمأنينة، وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين، من دعامات المجتمع، والتعاضد والتراحم صلة وثقى بينهم. وكذلك: يتمتع الأجانب في الاتحاد بالحقوق، والحريات المقررة في المواثيق الدولية المرعية، أو في المعاهدات، والاتفاقيات التي يكون الاتحاد طرفاً فيها، وعليهم الواجبات المقابلة لها.

فإذا أردنا ترجمة نصّ المادتين على الواقع، نرى أنه أنشئت جهات حكومية، وجمعيات خيرية، هدفها تثبيت التكافل الاجتماعي، ما يدل على أن المشرّع منذ وضع اللبنة الأولى لدولة الإمارات، أخذ في الحسبان مبدأ التكافل بين أفراد المجتمع، لذا فمن جميع ما سبق نستطيع أن نقول إن الإمارات وطن الجميع.

مجتمع الحقوق

وبالنسبة إلى المشرّع الحكيم، وتأكيده وجوب التلاحم والتعاطف والمساندة، يقول الباحث الشرعي الشيخ السيد البشبيشي: كم تصبح الحياة قاسية حين ينضب معين الأخوة، وتجف ينابيع الحب والبذل والعطاء والألفة، ويشعر الإنسان في مجتمعه الذي يعيش فيه، بالفردية والسلبية والأنانية.

وكم يسعد الإنسان ويفرح حين يعيش آمناً مطمئناً، في مجتمع لا يعرف الطبقية، ولا يرفع شعارات العنصرية، مجتمع لا يعرف السادة والعبيد، بل يعطي لكل ذي حق حقه، ولا يعامل الناس على أصل الجنس أو اللغة، أو اللون، أو حتى الدين والعقيدة، ولكن يتعامل مع الجميع بمبدأ العدالة الشرعية الاجتماعية، عملاً بقول رب البرية سبحانه وتعالى (يا أيّها النّاس، إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل، لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم)، وبقول سيد البشرية، صلى الله عليه وسلم: «كلكم لآدم وآدم من تراب»، وبقوله: «يا أيها النّاس: إنّ ربّكم واحد، وإنّ أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلّا بالتقوى».

أواصر الترابط

ولا شك في أننا نسعد ونفخر كثيراً حينما نرى أواصر الترابط والتلاحم والتكافل والإيثار والعطاء بين أبناء الملة في هذا البلد الطيب من جهة، عملاً بقول ربنا جل وعلا (إنّما المؤمنون إخوة)، وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضُه بعضاً»، فنرى من يسابق إلى خدمة الغير، والتخفيف عنه، وتفريج كربته حياً، سواء كان مواطناً، أو مقيماً، أو زائراً، فيواسيه بما يستطيع من صور المواساة.

وكذلك يواسيه بعد وفاته، بتجهيزه، ودعوة الناس للصلاة عليه، خاصة إن كان وحيداً لا أهل له ولا عشيرة، فيتحول المجتمع إلى أهل له وعشيرة، كما حدث مع المرأة السريلانكية، رحمها الله، وكذلك يواسيه إخوته في أهله وأولاده داخل البلاد وخارجها، كما رأينا هذا كثيراً من كثير من الأفاضل.

كفالة الحقوق

ويضيف الشيخ السيد البشبيشي: ومن كان من غير المسلمين واساه المجتمع، بما له من حقوق المواطنة أو المعايشة أو الجوار، فحقوقه مكفولة وكرامته مصونة، لا يعتدي عليها إلّا جاحد متمرد، على أمر الله

فأيها الأفاضل زيدوا في مجتمعكم، وبلادكم من مظاهر الإحسان والبر والعطاء، ومن صور التراحم والتكافل والعدالة والإيثار والنماء، فإنما تُبنى البلاد، وتنهض الأمة بهذا، وينتشر الأمن، والأمان، والسكينة، والسلام بهذا. فهنيئاً لمن فرّج عن مكروب، وواسى مصاباً، وقاد أعمى، وقضى ديناً، وأطعم جائعاً، وسقى عطشان، وكسا عُرياناً، وأنصف مظلوماً، وتصدق بدرهمه، رفع الله قدره ووسع عليه وبارك له في ماله وأهله وذريته وأجزل له العطاء، وأكثر ثوابه وعظم أجره.