التخطي إلى المحتوى

يدخل الشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة “مرحلة جديدة”، بعدما “خلطت هيئة تحرير الشام كل الحسابات” (جبهة النصرة المصنفة إرهابيا)، بتجاوزها مناطق سيطرتها في محافظة إدلب، ومخترقة مناطق سيطرة تحالف “الجيش الوطني السوري”، أبرزها عفرين.

وكانت “تحرير الشام” قد دخلت إلى عفرين، قبل أربعة أيام، لتدعم أطراف متصارعة ضمن “الجيش الوطني” ضد أخرى. ورغم توصلها لاتفاق مع تشكيل “الفيلق الثالث” الذي أشعلت المواجهات ضده، إلا أنها لم تنسحب “كليا”، حسب مراقبين ونشطاء إعلاميين، فيما تسود مؤشرات على نقضه، مع مرور الساعات الأولى من يوم الإثنين.

ولم ينص الاتفاق الذي يتألف من عشرة بنود، وانتشرت نسخ كثيرة منه على “انسحاب تحرير الشام” من المناطق التي دخلتها، وهو الأمر الذي أثار مخاوف الأهالي في ريف حلب، ما دفعهم للخروج بمظاهرات شعبية، تخللها قطع طرق حيوية.

ومما زاد من هذه الحالة أكثر، الضربات الجوية التي نفذتها طائرات روسية، الأحد، على مواقع بالقرب من مدينة “إعزاز” بريف حلب الشمالي.

وأسفرت الضربات عن مقتل ثلاثة عناصر من إحدى تشكيلات فصائل المعارضة، وقد أثار توقيتها الكثير من التساؤلات، من قبيل لماذا الآن؟ وما سر تزامنها مع التطورات الحاصلة، والتي بدأت بمواجهات قادتها من طرف “تحرير الشام”، وانتهت بانتشارها، ومن ثم “الاتفاق” المهدد بالنقض؟

“جمود وترقب”

وخرجت المظاهرات الشعبية، ليلة الأحد، وصباح الإثنين، في عموم مناطق ريف حلب الشمالي، وتركزّت بشكل أساسي في مدينتي الباب وإعزاز، فيما شهدت الأخيرة عمليات قطع للطريق الواصل بين المدينة وعفرين، منعا لعبور أي أرتال لـ”النصرة” إلى مناطق “درع الفرات”، بعد توارد أنباء عن ذلك.

يقول الناشط الإعلامي ومدير “مكتب إعزاز الإعلامي”، عبد القادر أبو يوسف، لموقع “الحرة” إن المدينة تعيش “حالة جمود كامل وترقب ومخاوف من الأحداث الحاصلة”.

ويرى أبو يوسف أن غياب “مصادر المعلومات الرسمية أو تصريحات المسؤولين بشأن ما يحصل زاد من هذه الحالة على نحو أكبر”.

ويضيف: “الناس تسمع أن رتلا لتحرير الشام سيدخل ويعبر المناطق كلها (ريف حلب). هذا يشكل خطرا على المطلوبين من جهة، فيما يخشى السكان من مشاكل أخرى تتعلق بالقصف الجوي الروسي من جهة أخرى”، كذريعة للانتشار.

وهناك رؤية ثالثة تتعلق بأن سكان ريف حلب يرغبون “أن يكون حكم المناطق بيد الأهالي”، ويتابع الناشط: “كل هذه الأسباب المذكورة تدفع باتجاه المظاهرات الشعبية”.

ويسود اعتقاد لدى أهالي الريف الشمالي لحلب بأن الضربات الروسية ذات التوقيت اللافت، أعطت رسالة بأن انتشار “تحرير الشام” في هذه المناطق سيعرضها للقصف الجوي المتواتر، كما هو الحال بالنسبة لإدلب. 

من جهته، يقول الناشط الإعلامي المقيم في مدينة الباب، بدر طالب: “لا أحد يعرف ماذا يحصل في الشمال السوري. من مدنيين وعسكريين وفصائل وغيرهم”.

ويضيف طالب لموقع “الحرة” أن “المخاوف الأساسية للناس من دخول الهيئة يتعلق بالقصف الروسي”.

ويؤكد أنه “بالنسبة لنا كناشطين لا يمكننا العيش في منطقة توجد فيها هيئة تحرير الشام. لا نعرف كيف سيكون الوضع. الاتفاق الأخير غير واضح. ودخول تحرير الشام وخروجها كذلك الأمر”.

“على شفا حفرة”

وتصنف الولايات المتحدة الأميركية “هيئة تحرير الشام” وقائدها “أبو محمد الجولاني” على قوائم الإرهاب، وكانت قد عرضت مكافأة مالية مؤخرا للجهة التي تقدم أي معلومات عن الأخير أو أماكن تواجده في الشمال السوري.

وكذلك الأمر بالنسبة لتركيا، التي تضع “تحرير الشام” أيضا على قوائم الإرهاب لديها.

وكانت هذه الجماعة قد استكملت خطوات هيمنتها العسكرية والإدارية على محافظة إدلب، على مدى السنوات الثلاث الماضية.

وبينما سعت إلى تحجيم نطاق سيطرة “الفصائل المعتدلة”، استحوذت على قطاعات اقتصادية في إدلب السورية، من خلال الحكومة التي أنشأتها قبل سنوات تحت اسم “حكومة الإنقاذ السورية”.

الناشط الإعلامي، عدنان الإمام، تحدث عن “فشل الاتفاق الأخير الذي حصل بين تحرير الشام ومكون الفيلق الثالث”، معبرا بالقول: إن “شعرة تكسر الاتفاق. هو على شفا حفرة”.

ويقول الإمام لموقع “الحرة”: “الوضع ذاهب نحو التصعيد. الاشتباكات الآن في كفر جنة. الكثير من المجموعات من كلا الطرفين رفضت الاتفاق”.

وتفصل “كفرجنة” مدينة إعزاز عن عفرين، وكانت “تحرير الشام” قد حشدت قواتها على أطرافها، قبل يومين من أجل العبور باتجاه باقي مناطق ريف حلب الشمالي.

لكن وعقب الاتفاق خفتت هذه النية في العبور، لتتجدد حسب الناشط، مع صباح الإثنين.

ويضيف “هناك مخاوف تسود من تطبيق تجربة إدلب في ريف حلب. هذا ما يخشاه المدنيون”.

بدوره يوضح الناشط الإعلامي، عبد القادر أبو يوسف، أن أسباب تجدد المواجهات ترتبط بروايتين مختلفتين لكل طرف.

ويقول: “الاتفاق كان ينص على إنهاء الاستنفار العسكري، لكن تحرير الشام ترى أن حاجز كفرجنة خرق ويجب أن يزال”.

ويضيف أنه، في المقابل، “يقول الفيلق الثالث إن تحرير الشام لم تفك الاستنفار وتسعى لتسيير رتل عسكري إلى باقي مناطق ريف حلب .. على هذه الجزئية تسير القضية كاملة الآن”.

“أسئلة مفتوحة”

في غضون ذلك ووسط حالة “الترقب” التي يعيشها السكان في الشمال السوري، بفعل المواجهات والأحداث المتسارعة لا يعرف بالتحديد عما ستؤول إليه التطورات في الأيام المقبلة.

ويقول الباحث السوري، وائل علوان إن “الجانب التركي لديه خط أحمر من أن تتوسع النزاعات بهذا الشكل وتتمدد، وبالتالي ستتحول الأمور إلى فوضى وتؤثر على المدنيين”.

لكنه يضيف لموقع “الحرة” أن الطرفين المتصارعين لا نية لهما بأي “تهدئة” في الوقت الحالي، لاعتبارات تتعلق بـ”مكاسب من جهة” وعدم الوقوع في “نكسة” من جهة أخرى.

وكان متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قال، الجمعة، إن واشنطن “قلقة” بشأن العنف الأخير في شمال غرب سوريا وأثره على المدنيين.

وفي تصريحات لقناة الحرة، دعا المسؤول الأميركي، الذي لم يكشف عن هويته، الأطراف المتناحرة في سوريا إلى خفض التصعيد، وتركيز الأولوية على سلامة الشعب السوري.

في المقابل، وبينما لم يصدر أي موقف رسمي من أنقرة، يعتبر المحلل والباحث التركي، عمر أوزكيزيلجيك، أن “حقيقة ما يحدث هو أن تحرير الشام تعمل على بث الخلافات وأعمال العنف الواسعة بين أطراف الجيش الوطني، وبالتالي تتسع رقعة مناطق نفوذها”.

ويقول لموقع “الحرة”: “لذا فإن الهدف الأساسي هو ترسيخ وجودها في منطقة عفرين ومناطق غصن الزيتون ومن ثم توسيع نطاق النفوذ. الخطوة الأولى هي لفرض نوع من النفوذ فيما يتعلق بالحكم والمجال الاقتصادي، دون أن يكون لها أي دور عسكري”.

لكن وفي مرحلة لاحقة، أشار أوزكيزيلجيك إلى أن “النصرة قد توسع نفوذها العسكري في محاولة للسيطرة الكاملة، مع الحفاظ على فصائل المعارضة كما فعلت في إدلب، لتنفيذ أجندتها الخاصة مع نظام الأسد أو وحدات الحماية الكردية”، وفق تعبيره.

وفيما يتعلق بموقف الأطراف المتصارعة، أضاف الباحث التركي أن “ما قد يحدث سيعتمد بشكل أساسي على فصيل الجبهة الشامية (أكبر مكونات الفيلق الثالث). لكن إذا بقيت ضعيفة فستجد تركيا بطريقة أو بأخرى وسيلة ما، لإخراج تحرير الشام من عفرين”.

Scan the code