المصدر: الأخبار
الكاتب: محمد وهبة
علمت «الأخبار» أن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، أعدّ خطة طوارئ تهدف إلى تأمين تمويل بالعملة الأجنبية للاستخدام في حالات الضرورة القصوى.
ولم تكشف المصادر عن حجم هذه المبالغ، ولكنها أشارت إلى إمكان استخدامها في حال حصول تطوّرات عسكرية أو أمنية مع العدو الإسرائيلي لتمويل مخصّص للحاجات الأساسية، مثل القمح، تسديد رواتب القطاع العام، حاجات القوى الأمنية، وسلع وخدمات أخرى تعدّ ضرورية للمستهلكين.
وهذه الخطّة هي جزء من الإجراءات التي يتخذها مصرف لبنان لتأمين استقرار في سعر صرف الليرة مقابل الدولار، أي إنها تستكمل ما يقوم به مصرف لبنان لتأمين هذا الاستقرار عبر شراء الدولارات من السوق وتجفيف الليرات عبر تحديد سقوف ضخّ الليرات لوزارة المال وللمصارف يومياً. وما دامت هذه الإجراءات قائمة في ظلّ اقتصاد نقدي مدولر بنسبة تفوق 70%، فلا معنى واسع للكلام عن اهتزاز الاستقرار النقدي.
وقد أجرى منصوري مناقشات مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي ومسؤولين آخرين في الدولة حول الأمر، وقدم تصوره لما قد يكون عليه الأمر في حال ساءت الأوضاع ربطاً بما يجري بين المقاومة وإسرائيل. وقال منصوري إن ما لدى مصرف لبنان من أموال، تسمح له بمواجهة أي أزمة طارئة.
يأتي المبلغ الذي يرصده مصرف لبنان في إطار خطّة الطوارئ، فوق مبالغ يملكها القطاع العام في حساباته لدى مصرف لبنان. ووفقاً للبيانات الأخيرة حول سيولة البنك المركزي بالعملات الأجنبية، فإن مجمل مؤسّسات القطاع العام تملك 351 مليون دولار حتى نهاية أيلول، أي إن هذا الرقم يشمل حسابات الخزينة العامة، وحسابات المؤسّسات العامة والبلديات وسواها. ووفقاً لمصادر وزارة المال، فإن حسابات الخزينة تصل إلى 50 مليون دولار، وسيُضاف فوقها مبلغ 30 مليون دولار في مدة وجيزة، ما يعني أن مجموع المبلغ المتوافر للقطاع العام بمجمله سيزيد عن 380 مليون دولار.
لا شكّ بأن خطّة الطوارئ هذه، تُعدّ محدودة القدرات والأهداف، وهي تأتي في سياق سيطرة «هشّة» يمارسها مصرف لبنان على سعر الصرف منذ أشهر عدّة، كادت هذه السيطرة أن تخرج عن الإطار المرسوم لها في الأيام الماضية، إذ تبيّن أن هناك طلباً كبيراً على الدولار في السوق يفوق المعدلات اليومية الاعتيادية، وتبيّن أن وزارة المال سدّدت فواتير لمتعهّد جمع النفايات من الصندوق البلدي المستقلّ بقيمة 295 مليار ليرة، كما أنها سدّدت من الصندوق نفسه 360 مليار ليرة أيضاً.
ووفقاً لمصادر في وزارة المال، فإن تحويل هذه المبالغ إلى أصحابها يتم عبر «سويفت»، وبالتالي لا يمكن لمصرف لبنان السيطرة عليها أو كبحها، وهذا ما عطّل، جزئياً، التفاهمات التي كانت قائمة بين وزارة المال ومصرف لبنان من أجل تأمين استقرار سعر الصرف، وبالتالي أدّى ذلك إلى طلب أكبر من المعتاد على الدولار، عندها أوقف مصرف لبنان عملية جمع الدولارات من السوق، ثم ترك هذه الشركات تحصل على الدولارات التي كانت متوافرة له أصلاً، فلم ينافسها على جمع الدولارات، ما حافظ على «الاستقرار الهشّ» في سعر الصرف.
وهو استقرار أتى قبل بضعة أشهر بعد تطوّر سلبي متسارع أدى إلى ارتفاع سعر الدولار الواحد من 80 ألف ليرة في 8 آذار إلى 135 ألف ليرة في 24 آذار الماضي، إنما أُتيح لمصرف لبنان وفقاً لآليات سوقية وبأكلاف لا تزال غامضة، استعادة السيطرة على سعر الصرف، وجرى خفضه إلى 98 ألف ليرة مقابل الدولار في 4 نيسان، ثم استقرّ على 89 ألف ليرة حتى اليوم. ويستند هذا الاستقرار إلى معادلة التوازن في الكتل النقدية السوقية، والتي تقضي بألا تُضخّ ليرات في السوق إلا وفقاً لقدرة السوق على تلبية الطلب بالدولارات، ووفقاً لقدرة وزارة المال على سحب الليرات من السوق. وهذا الأمر تتم مراقبته ومتابعته على نحو دائم، ولا سيما أن وزارة المال هي المصدر الأساسي لضخّ الليرات في السوق إلى جانب المصارف. فعندما تُسدّد فواتير لمتعهّدين، أو تُسدّد بعض الودائع بالليرة، يتحوّل القسم الأكبر من هذه الأموال إلى الدولار، لذا اتفق مصرف لبنان مع وزارة المال على ألا تُسدّد فواتير كبيرة أو يُمنح الزبائن عبر المصارف كميات كبيرة من الليرات النقدية أو الشيكات بالليرة إلا ضمن سقوف محدّدة تُوازن بين العرض والطلب في السوق، وعلى أن تعدّل وزارة المال قيمة الضرائب المحصّلة وفقاً لتطوّر سعر الصرف. وبالفعل هذا ما حصل عندما جرى رفع الدولار الجمركي من 1500 إلى 15 ألف ليرة، ثم أخيراً إلى سعر «صيرفة». وهذا ما أجبر التجّار على تحويل الدولارات إلى ليرات لتسديد ما يترتب عليهم، وسحب كميات كبيرة من النقد بالليرة نحو الخزينة، لأن ما يخرج من الخزينة يجب أن يوازي ما يدخل إليها، تقريباً.
هشاشة هذا الاستقرار تنبع من الآتي: المبلغ الذي سُدّد لمتعهّد نفايات بقيمة 295 مليار ليرة، يعادل بسعر الصرف الوسطي أمس نحو 3.3 ملايين دولار. في الأسابيع الماضية لم يكن المتعهّدون مستعجلين على تحويل ليراتهم إلى دولارات، إنما في ظل «طبول الحرب» التي تُقرع في المنطقة، صاروا مستعجلين لقبض الفواتير وتحويلها مباشرة. لذا، فإن ما كان لديهم في حساباتهم في المصارف، أُضيف فوق قيمة الفواتير المسدّدة ليصبح الطلب أكثر من 6 ملايين دولار في يوم واحد. فالهشاشة تنبع من أن طلباً بهذا الحجم كاد أن يطيح سعر الصرف، ولا سيما أنه في المقابل فرضت أجواء الحرب ترقباً وامتناعاً عن تسديد الضرائب، ما أدى إلى تدني كمية الدولارات المعروضة في السوق. بضعة ملايين من الدولارات في ظروف محدّدة قد تطيح سعر الصرف. السؤال يبقى ما إذا كان سعر الصرف مهمّاً إلى درجة تكبّد الخسائر من أجله ما دام القطاع العام يتقاضى الرواتب بالدولار، وما دام الاستقرار النقدي قائماً على التقشّف في إنفاق الدولة إلى الحدّ الأقصى، وتقسيط الفواتير المسدّدة، والامتناع عن زيادة الأجور. هذا التقشّف يقتل أي فرصة للنموّ ويكبح النشاط الاقتصادي الذي تقلّص أصلاً من 55 مليار دولار في عام 2018 إلى 16 مليار دولار في هذه السنة، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. التقشّف جزء من الخسائر التي تمتنع قوى السلطة عن الإقرار بها.
بورصة بيروت تستوفي العمولات بالفريش
قرّرت إدارة بورصة بيروت تعديل قيمة العمولات المترتّبة على كل عملية تداول إلى 40% دولار فريش و60% دولار مصرفي. وقد وجه رئيس لجنة البورصة، غالب محمصاني، تعميماً إلى شركات الوساطة وإلى شركة ميدكلير، موضحاً أن بورصة بيروت في حاجة إلى الحصول على دولارات نقدية لتغطية فواتير للمورّدين المحليين والخارجيين وأكلاف الصيانة والتراخيص، لافتاً إلى أنه «بهدف تأمين استمرارية المرفق العام، سيتم تطبيق هذه الزيادات ابتداءً من أول تشرين الثاني».
أثار القرار بلبلة بين شركات الوساطة والمتعاملين، لأنه يزيد قيمة العمولات على عمليات التداول من 2 بالألف (مع حدّ أدنى بقيمة 10 دولارات عن العملية الواحدة) إلى 6 بالألف (مع حدّ أدنى بقيمة 10 دولارات عن العملية الواحدة)، وهذا من شأنه أن يكبح التداولات في سوق متدهورة أصلاً. إذ صار تحقيق الأرباح من عمليات التداول يتطلّب حجماً أكبر من العمليات وزيادة أكبر في السعر. لكنّ المشكلة الأساسية التي لم تقاربها إدارة البورصة تكمن في كون كل الأسهم والسندات المتداولة على البورصة مسجّلة بالأسعار المحليّة التي يجري تبادلها في السوق المحلية فقط، بمعزل عن نوع العملة المسجّلة فيها. وبالتالي فإن ما هو مسجّل بالعملة الأجنبية، سواء بالدولار أو بغيره، لا يمكن تحويله إلى الخارج أو تسديده نقداً. وبالتالي صارت العمولات تخضع لمعايير مختلفة، إذ إن قيمة الأصل صارت مختلفة نوعياً عن قيمة العمولات المترتّبة على هذا الأصل.