الثابت حتى الآن هو اتخاذ مؤسسة كهرباء لبنان قرار رفع التعرفة حتى 27 سنتاً للكيلواط. وتطبيق التعرفة الجديدة يستوجب تصفير العدّادات عبر دفع قيمة الاستهلاك وفق التعرفة الحالية، والانطلاق بالتعرفة الجديدة من عدّادات بقراءة صفر. ونالت المؤسسة “موافقة وزارة الطاقة ووزارة المالية على رفع التعرفة وعلى إصدار فاتورة واحدة عن سنة ونصف السنة، وتُسَدَّد قيمتها دفعة واحدة”، وفق ما تقوله لـ”المدن”، مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان.
تؤكّد المصادر أن تداعيات قرار الفوترة والجباية بهذه الطريقة ستتفاوت بين منطقة وأخرى، والنتيجة لن تكون واحدة، لأن “عملية الفوترة والجباية حالياً تختلف من منطقة لأخرى. فهناك مناطق تسير فيها الجباية بشكل طبيعي، فيما تتأخّر العملية في مناطق أخرى، ولذلك من المتوقَّع أن لا يتم التجاوب بالوتيرة نفسها مع قرار تسديد الفواتير دفعة واحدة”. وتشير المصادر إلى أن “على الجميع الدفع لأجل البدء بقراءة جديدة للعدّادات، وفق التعرفة المرتفعة”.
إصدار فواتير عن سنة ونص، يعني اضطرار المشتركين لتسديد مبلغ كبير دفعة واحدة، وهو وإن كان زهيداً مقارنة بفواتير المولّدات الخاصة، أو بعد قياسه بالدولار، إلاّ أنه يُعتَبَر ثقلاً إضافياً لشريحة واسعة من اللبنانيين. ولذلك “على الناس عدم الخوف، فأرقام الفواتير ليست كبيرة جداً، والمؤسسة لن تقطع الكهرباء عن المتخلّفين عن الدفع فوراً، بل سيتم الأخذ بعين الاعتبار الحالة المادية لكل مشترك. فالمؤسسة قبل الأزمة لم تكن تقطع الكهرباء بصورة اعتباطية عمّن يتخلّف عن الدفع”.
وتلفت المصادر النظر إلى أن وضوح قرار رفع التعرفة، يقابله “عدم حسم مسألة الغرامات. ففواتير المتخلّفين عن الدفع كانت تُعاد إلى شركات مقدمي الخدمات، وتوضَع في خانة المتأخّرات، وتسجَّل على كل فاتورة متأخّرة، غرامة بقيمة 6 آلاف ليرة. ومن غير الواضح ما إذا كانت قيمة الغرامة ستبقى نفسها أم ستزيد”؟.
وتجدر الإشارة إلى أن شركات مقدّمي الخدمات تُصدِر وتجبي راهناً فواتير بمهل متفاوتة تمتد لستّة أشهر، بعد أن كان الإصدار والجباية يمتد لشهرين فقط، وهي بذلك لم تنتظر قرار مؤسسة كهرباء لبنان.
عقبات أخرى
مؤسسة الكهرباء والوزارات المعنية يريدون الانتقال إلى مرحلة جديدة دون قطع حساب مع المرحلة السابقة. فلا جردة حساب توضح أرقام الجباية الفعلية عن السنوات السابقة، والتي تحوم حولها في الأصل علامات استفهام. فالشركات مقدّمي الخدمات يجبون الفواتير ويضعون قيمتها في حسابات مصرفية، ويحوّلونها لاحقاً إلى حساب مؤسسة كهرباء لبنان. والمؤسسة لم توضح بعد ما عليها من متوجّبات ومتأخّرات للمتعهّدين ومقدّمي الخدمات، وهذه المتأخّرات تُدفَع بالدولار النقدي، فهل ستُستَعمَل عائدات التعرفة الجديدة لتسديد المستحقات المجهولة؟.
إن كانت المؤسسة قبل الأزمة وانهيار سعر صرف الليرة، تعيش في دوامة من الفوضى والهدر وغموض مسار الواردات والنفقات، فما الذي تغيَّر لوقف ذلك المسار؟ المتغيّرات حتى الساعة تساعد على المزيد من الفوضى. فمبنى المؤسسة المركزي تضرَّر بفعل تفجير مرفأ بيروت، والموظّفون يعملون في مكاتب مستحدثة في باحة المبنى. والعمل يسير ببطء شديد لا يتلاءم مع المتغيّرات المتسارعة التي تصيب البلاد.
أما معدّلات الهدر الفنّي وغير الفنّي، فلم يطرأ عليها أي تحسين. وباعتراف وزير الطاقة وليد فيّاض، يبلغ الهدر 40 بالمئة. أي أن 40 بالمئة من انتاج الكهرباء الذي سيُسَعَّر بالتعرفة الجديدة، سيذهب هدراً، وسيدفع ثمنه المواطن.
لا ترى مؤسسة كهرباء لبنان ومعها وزارة الطاقة، إلاّ رفع التعرفة سبيلاً لمعالجة الوضع الطارىء، ضمن إطار “خطة الطوارئ الوطنية لقطاع الكهرباء”. ولا يَرَون ما يتوجّب عليهما من تحسينات وشروط تضمن حسن انتاج الكهرباء بالكميات الكافية. ومن مستوجبات الإنتاج، تأمين الفيول الذي تتغيّر أسعاره دورياً على مستوى عالمي، ما يعني ضرورة إيجاد صيغة لضمان التوريد. ولأن المؤسسة عاجزة، سيتحمّل المواطن التبعات من خلال أسعار متغيّرة، على غرار فواتير مولّدات الكهرباء الخاصة، ما سُدخِل المؤسسة والمواطنين في دهاليز الدفع وعدمه والتأخّر والغرامات. هذا إن استطاعت المؤسسة الانتقال إلى مستوى إنتاج أفضل على مستوى جميع الأراضي اللبنانية.
وزير الطاقة متفائل، وبنظره، إنَّ رفع التعرفة هو الحل المثالي لقطاع الكهرباء، مصحوباً بتحسين الجباية ووقف الهدر على الشبكة، وهما أمران غير محسومان. وبالتالي، فإن ما سيلمسه المواطنون هو رفع التعرفة وتحصيل ما يمكن تحصيله من الفواتير السابقة. وتبقى زيادة التغذية وعداً ينتظر التحقيق.