- Author, عبد البصير حسن
- Role, بي بي سي – القاهرة
خطر آخر يهدد أقدم جبانات القاهرة إلي جانب معدات الهدم التي أتت على المئات من المقابر مؤخرا في إطار خطة شق محاور مرورية جديدة لتطوير منظومة النقل داخل العاصمة، و هو تزايد سرقات “الشواهد” في عديد المقابر غير المسجلة ضمن التراث الأثري في تلك المنطقة.
وقد سجلت مجموعات من المتطوعين المصريين الذين يعملون ضمن برنامج أهلي بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار قرابة 15 واقعة سرقة “لشواهد قبور” هناك منذ مايو/أيار الماضي من بين مئات السرقات الأخرى التي تتم دون رصد من أي جهة، بحسب حسام عبدالعظيم، أحد مؤسسي مجموعة “شواهد مصر” في مقابلة مع بي بي سي.
ووثقت المجموعة التي تضم نحو ثلاثين من الآثاريين والمهتمين بالتاريخ والمهندسين من تخصصات مختلفة، عديد المقابر قبل وبعد تعرضها للسرقة، حيث لوحظ أن السرقات ضمت قطعا حجرية مختلفة ذات نقوش تراثية عتيقة يعود بعضها لمئات السنين.
وبحسب عبدالعظيم، تعد سرقة الشواهد، وهي أحجار مستطيلة توضع فوق القبر يدون عليها عادة اسم المتوفى وسنة ميلاده وتاريخ وفاته بالإضافة إلى أدعية أو قول مأثور او ما شابه، ظاهرة حديثة في تلك المناطق، التي تشهد عادة سرقة أبواب ونوافذ حديدية أو خشبية، خصوصا في المقابر التي تقع في مسار المحاور الجديدة “وبيعها كخردة”.
ويستهدف اللصوص المحليون بشكل رئيسي شواهد القبور ذات الزخارف والنقوش المتميزة والعتيقة فيما يعرف بـ “قرافات” القاهرة التي يزيد عمرها على 1400 عام بحسب المؤرخين.
وتوثق مبادرة “شواهد مصر” ما تستطيع من الشواهد التاريخية والأثرية خشية ضياعها، خاصة وأن هذه المقابر غير مسجلة كآثار لدى الجهات المعنية. فلا يوجد أي دائرة رسمية تتبعها هذه الغالبية العظمى من هذه المقابر باعتبارها ملكية خاصة رغم وقوعها في النطاق الإداري لمحافظة القاهرة.
أبرز السرقات
سجلت مجموعة “شواهد مصر” في الأسابيع الأخيرة سرقة شاهد قبر السيد علي إبراهيم نقيب الأشراف، بقرافة (مقابر) الإمامين وهي من العصر العثماني وتعود لسنة 1696 ميلادية، أي أن عمرها حوالي 335 عام.
كذلك سُرقت خمس قطع من شواهد قبور عائلة الطويل التي تعود لعام 1770 ميلادية وتقع بقرافة السيدة نفيسة وسط الإزالات المنتشرة في تلك المنطقة.
كما سُرق شاهدا قبر “السيدة خديجة ابنة الحاج عبد الله “حيث كان أبوها تابعاً لقائد فرقة الإنكشارية العسكرية العثمانية في مصر، قد توفيت في 15 ربيع أول سنة 1144هجرية الموافق 17 سبتمبر/أيلول سنة 1731 ميلادية، و هو ما يجعل عمر الشاهد حوالي 300 عام!” بحسب شواهد مصر.
وبحسب حسام، سُرقت كذلك تركيبة من الرخام المعشق بالفسيفساء من قبر الأمير وحيد الدين من الأسرة العلوية (أسرة محمد علي) مع عدة أعمدة من الرخام المعشق بنفس المادة كانت موجودة تحت قبة في قرافة الإمام الشافعي وبعيدة عن الإزالة ومن الأجمل تصميما من نوعها ولم تكن مسجلة كأثر.
لا يُعرف حسام أو زملاؤه في المجموعة المتطوعة مصير هذه الشواهد المسروقة، لكن يُخشون من تهريبها خارج البلاد استغلالا لقيمتها التاريخية، ومن صعوبة استردادها خاصة وأنها غير مسجلة كآثار رسميا.
تساؤلات نيابية بشأن تخريب المقابر
يقول حسام وأعضاء بالبرلمان إنهم لاحظوا توقف عمليات إزالة المقابر وكذلك إزالة علامات من على مقابر كانت في خطط الإزالة في الأيام القليلة الماضية، عقب تصاعد موجة من الاحتجاجات على عمليات الهدم في تلك المنطقة.
بيد أن المخاوف من استمرار السرقات لم تتوقف، بحسب المتطوعين العاملين هناك ولاتزال المطالبة بحماية شرطية للمنطقة تتواصل بأشكال مختلفة.
وكان برلمانيون مصريون تقدموا بتساؤلات نيابية بشأن أعمال الهدم التي شهدتها مقابر القاهرة التاريخية مطالبين بالوقف الفوري لعمليات الهدم وبشأن سبب هدم المقابر، رغم معارضة لجنة شكلها رئيس الجمهورية لبحث الأمر وطرحها لبدائل أخرى تحفظ المقابر التاريخية.
وتحدثت تقارير إعلامية في الأسابيع القليلة الماضية عن استقالة عدد من أعضاء تلك اللجنة احتجاجا على فلسفة الهدم، وكذلك تقدم رئيس لجنة أخرى من محافظة القاهرة باستقالته للسبب ذاته قبل أن يمسح منشوره عنها بحسب ما دونه على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما اعتبره البعض تراجعا عن الاستقالة.
وتقول مها عبدالناصر، عضوة مجلس النواب المصرية عن الحزب الناصري، والتي تقدمت بسؤال لرئيس الحكومة في هذا الخصوص قبل أسابيع، لبي بي سي إن “الحزن على فقد هذه القطع الأثرية في مصر لا يقل عن الحزن الذي سببه تهدم آثار تاريخية جراء الزلزال مؤخرا في المغرب، وإن كان الأخير لأسباب قدرية”.
وتضيف: “لا يصح أن نترك أماكن كهذه للسرقة ولابد من النظر لكل هذه الجبانات باعتبارها منطقة أثرية وتراثية وأن يكون هناك أمن بأي صورة من الصور للحفاظ على هذه المناطق”.
و تحتوي القرافة على عناصر معمارية فـريدة من قباب وتركيبات رخامية أو حجريـة ونماذج تاريخية من الخط العربي، وقد دُفن بها المئات من رموز مصر.
الآثار المسجلة لم تمس
بحسب مسؤولين بوزارة الآثار المصرية، تتوزع مسؤولية منطقة جبانات القاهرة على جهات عدة منها جهاز التنسيق الحضاري، ووزارة السياحة والآثار، ووزارة الأوقاف، ووزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة، ومحافظة القاهرة.
وتسبب تشعب المسؤوليات هذه في “تفرق دم المنطقة المعنية بين القبائل” بحسب مها عبدالناصر.
بيد أن رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالمجلس الأعلى للآثار أبو بكر أحمد عبد الله، قال لبي بي سي إن “أيا من الآثار المسجلة لديها داخل منطقة جبانات القاهرة لم تتعرض للسرقة، بل ويجري ترميم العديد منها حاليا في إطار صيانتها ورعايتها”.
ووفق عبدالله، هناك 37 أثرا مسجلا لدى المجلس الأعلى للآثار في تلك المنطقة، بين قبة وضريح وتكية ومسجد ومدرسة وقباب “ضريحية”.
وأشار عبدالله إلى أن المقابر والقطع غير المسجلة كأثر تقع مسؤوليتها على عاتق الجهة التابعة لها، نظرا لخروجها عن نطاق مسؤولية المجلس الأعلى للآثار.
وبخصوص القطع غير المسجلة كأثر التي تنتج عن عمليات الهدم، قال عبدالله إنه تم تشكيل لجنة أثرية وفنية “لمعاينة تلك المفكوكات واستلامها لإعادة تنظيفها وتوثيقها وحفظها في أحد المتاحف، وبالفعل تم توثيق عدد من الشواهد وجاري حفظها في المتحف الإسلامي بوسط القاهرة”.
تطوير المنطقة خطة قديمة
وتعود خطط تطوير منطقة جبانات القاهرة التاريخية الى نحو 15 عاما إبان حكم الرئيس السابق الراحل حسني مبارك. وفي عام 2011، خرج للنور هذا المخطط الذي كان بين بنوده المعلنة “نقل جزء من المقابر الجنوبية للقاهرة والمتأثرة بالمياه الجوفية”.
وكان رئيس الحكومة الحالي، مصطفي مدبولي هو نفسه رئيس هيئة التخطيط العمراني التي وضعت هذا المخطط تحت “القاهرة 2050 الرؤية المستقبلية والمخطط المبدئي للقاهرة الكبرى”، بداية من عام 2008.
وفي يونيو/حزيران الماضي وخلال جولة لمدبولي بمنطقة المقابر محل الخلاف، قال إنه توجد بدائل مطروحة بالنسبة للمقابر التي لن يتم نقلها، ومن بين تلك البدائل عمل تطوير للمقبرة نفسها.
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أمر في وقت سابق من هذا العام بإنشاء “مقبرة الخالدين” في موقع مناسب، لتكون “صرحاً يضم رفات عظماء” على أن تتضمن أيضاً متحفاً للأعمال الفنية والأثرية الموجودة في المقابر الحالية، ويتم نقلها من خلال المتخصصين والخبراء”.
قانون حماية الآثار
وتنص المادة الثانية من قانون حماية الآثار في مصر على أنه “يعتبر أثراً، كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان ، منذ عصور ما قبل التاريخ حتى ما قبل مائة عام متى وجد على أرض مصر، وكانت له قيمة أو أهمية أثرية أو تاريخية باعتباره مظهراً من مظاهر الحضارات المختلفة وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها”.