السودان: تصعيد ميداني يستبق مفاوضات «منبر جدة»
استبق طرفا الحرب في السودان، جولة جديدة من المفاوضات المقرر استئنافها (الخميس) في مدينة جدة السعودية، بتصعيد ميداني لافت عبر تكثيف القصف بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، في وقت أسس فيه سياسيون بارزون بينهم رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك، رسمياً «الجبهة المدنية» لوقف الحرب.
وأفاد شهود عيان (الاثنين) بأن «عدداً من المناطق في شمال مدينة أمدرمان تعرضت لقصف مدفعي شديد، عبر قذائف أُطلقت من مواقع توجد بها قوات لـ(الدعم السريع) بمنطقة بحري».
كما ذكرت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» أنه «سُمِع دوي قصف عنيف، يُرجح أنه استهدف مقرات عسكرية تابعة لقوات (الدعم السريع) في المدينة الرياضية، وأرض المعسكرات (سوبا) بجنوب الخرطوم».
وخلال الأسبوع الماضي، كثّف الجيش السوداني من القصف الجوي، واستهدف مراكز لتجمع «الدعم السريع» في مواقع عدة بمدن العاصمة الثلاث «الخرطوم، وبحري، وأمدرمان».
وظلت الأحياء السكنية بجنوب الخرطوم جبهة قتال ساخنة بين الجيش و«الدعم السريع»، طيلة أشهر الحرب، حيث شهدت «مجازر بشرية» متكررة، أسفرت عن مقتل وإصابة المئات من المدنيين جراء القصف الجوي والمدفعي المتبادل بين القوتين المتحاربتين.
ترحيب باستئناف المفاوضات
وعلى صعيد سياسي، كان الجيش السوداني، قد أعلن (الأحد)، تلقيه دعوة لاستئناف مفاوضات «جدة»، مؤكداً مشاركة وفده بالاجتماعات، ورحّب «الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل»، والذي يُعد فصيلاً رئيسياً في «تحالف قوى الحرية والتغيير»، بإعلان استئناف المفاوضات بتيسير من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية.
كما تدعو «قوى التغيير» الائتلاف السياسي الأكبر في البلاد إلى توحيد المبادرات الإقليمية المطروحة لحل الأزمة في السودان، لدعم مسار «منبر جدة» بوصفه (الخيار الأوحد) المتاح لطرفي القتال لوقف الحرب.
كما شهدت الأيام الماضية تحركات للاتحاد الأفريقي ومنظمة «إيغاد»، أجريا خلالها مشاورات مع الكتل السياسية المختلفة في العاصمة المصرية، وفق رؤية جديدة لعملية سياسية شاملة لا تتقاطع مع مسار المفاوضات في «جدة».
وبدوره، شدد مالك عقار، نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، على أن «الجولة المقبلة من (منبر جدة) التفاوضي بين الجيش السوداني وقوات (الدعم السريع) ستُعنى فقط بتنفيذ ما اتُّفق عليه سابقاً في المنبر».
وقال عقار لـ«وكالة أنباء العالم العربي» (الاثنين) إنها «جولة تخص تنفيذ ما اتُّفق عليه (من قبل) في جدة… وليست هناك أجندة جديدة، بل تتضمن بنداً واحداً، وهو تنفيذ ما اتُّفق عليه».
وكان الجيش و«الدعم السريع» قد وقّعا في مايو (أيار) الماضي أول اتفاق بينهما ضمن «محادثات جدة»، واشتمل على التزامات إنسانية عدة، إضافة إلى بند يقضي بعدم تأثر الوضع القانوني أو السياسي للموقّعين على الاتفاق.
«الجبهة المدنية»
وفي السياق نفسه، بدأت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا (الاثنين) الاجتماعات الرسمية لتأسيس «الجبهة المدنية العريضة» التي تهدف لوقف الحرب، واستعادة الحكم المدني الديمقراطي، وسط حضور لافت يتقدمه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، ورئيس حزب «الأمة» القومي فضل الله برمة.
وشاركت في الاجتماعات المنتظر استمرارها حتى الأربعاء المقبل، مجموعة أحزاب سياسية، و«تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير»، ومنظمات مجتمع مدني، وشخصيات وطنية بارزة، وذلك لوضع رؤى سياسية وتنظيمية واقتصادية لوقف الحرب واستعادة الانتقال المدني الديمقراطي، باستخدام الضغط الشعبي على طرفي القتال، لوقف العدائيات والعودة للانتقال المدني الديمقراطي.
وقال رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في كلمة للجلسة الافتتاحية، إن الاجتماعات «تعد بداية لعملية أكثر شمولاً، تفتح المجال لمشاركة القوى المدنية المناهضة للحرب والداعمة للسلام، واستعادة الانتقال المدني الديمقراطي».
وأوضح حمدوك أن «المعاناة التي يعيشها شعب السودان بسبب الحرب تفرض على الجميع مضاعفة الجهود من أجل التوافق على مشروع سياسي ينهي النزاعات في البلاد، ويعالج آثارها الإنسانية الملحة، بما يحقق السلام الشامل في البلاد»، داعياً القوى السودانية لما أطلق عليه «إعلاء شأن الوطن والتسامي فوق الخلافات الحزبية»، من أجل تدارك الأوضاع الكارثية التي خلّفتها الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي.
وطالب حمدوك المجتمعين بتفويت الفرصة على من وصفهم بـ«مثيري الفتنة ومروجي خطاب الكراهية وسط السودانيين»، وتابع: «هذه الحرب اللعينة التي تتعرض لها بلادنا دمرت إنسانها وبنيتها التحتية».
ومن جهته، حذر رئيس حزب «الأمة» القومي فضل الله برمة ناصر، في كلمته الافتتاحية من تأثيرات الحرب في السودان على أمن وسلامة الإقليم والعالم، بقوله: «الحرب السودانية أثرت وتؤثر على النظام الإقليمي، وأسهمت في تأجيج الاتجار بالبشر، وفتحت باب اتصال مع الجماعات الإرهابية في الإقليم».
وشدد برمة على أهمية «توحيد صف القوى الديمقراطية»، وقال: «باجتماعنا هذا، نضع بذرة لتكوين أوسع جبهة مدنية»، ودعا القوى السياسية والمدنية غير المشاركة في الاجتماع.
وأكد السياسي البارز أهمية «الصدح بالصوت العالي لوقف الحرب، وإنهاء المأساة الإنسانية التي تعيشها البلاد، وأهمية دور القوى المدنية في ذلك، وفي محاسبة من ارتكبوا الجرائم والانتهاكات». كما رحب باستئناف التفاوض بين الجيش و«الدعم السريع» في «منبر جدة».
وبدوره، دعا ممثل «لجان المقاومة السودانية» إبراهيم أرباب، في كلمته خلال الفعالية إلى «انتهاج الحوار الجاد من أجل تأسيس جبهة مدنية توقف الحرب، وتعهد بألا تحول الخلافات بين الأطراف دون وحدة الجبهة المدنية».