لا شك أن أجواء الحرب الإسرائيلية التدميرية في غزة والحرب الموضعية الدائرة في جنوب لبنان، قد أثّرت بشكل مباشر على مجمل الحركة الإقتصادية في لبنان ومن الممكن أن يزداد التأثير مع تقدم المواجهات، في ضوء الأرقام المُقلقة واللافتة التي كشفت عنها الهيئات الإقتصادية حول تراجع أداء الكثير من القطاعات الإقتصادية.
وفي قراءة أولية للمشهد الإقتصادي، اعتبر الخبير والباحث الإقتصادي أنطوان فرح، أن الأرقام السلبية المعلنة، تحتاج إلى دقة إضافية، إذ أنها أُنجزت على أساس المقارنة مع الأشهر الماضية التي كانت فيها القطاعات في ذروة الحركة، على اعتبار الحركة السياحية وحركة اللبنانيين الوافدين من الخارج الى لبنان خلال فصل الصيف، وبالتالي لا يمكن المقارنة بين الحركة اليوم، والحركة خلال شهر آب الماضي.
ومع ذلك، فإنه من الثابت كما أكد الباحث الإقتصادي فرح لـ”ليبانون ديبايت”، أن كل القطاعات الإقتصادية تشهد تراجعاً كبيراً بالحركة وخصوصاً الخدماتية منها وقطاع الكماليات، ما يدلّ على أن الإقتصاد اللبناني، بدأ يعاني وسيستمر بالتراجع، إذا بقيت الأجواء كما هي عليه اليوم، مع العلم أن لا لزوم لتكرار ان القطاع الخاص هو الذي عاد وتأقلم نسبياً مع انهيار 2019 واستطاع أن يعطي جزئيةً بسيطة باعادة المسار الإقتصادي الى طبيعته.
ورداً على سؤال حول الأثمان الإقتصادية، وجد فرح أنه في ظل الإنكماش اليوم، يدفع الإقتصاد ثمناً كبيراً، وهو مهدد بخطر عودة الركود والإنهيار إلى القطاع الخاص، وبالتالي القضاء على النتائج المتواضعة التي استطاع أن يحقّقها في العام الأخير، بعدما تمّ التأقلم مع أزمة الإنهيار.
أمّا عن أسباب ومصادر الخطر الحقيقي، فيحددها فرح باحتمال إطالة الوضع كما هو عليه اليوم، أي الإستنزاف، لأنه سيزيد ويعمّق الأزمة الأقتصادية.
كذلك فإن توسّع الحرب الموضعية في الجنوب، وتحولّها إلى حرب شاملة وفق فرح، سيؤدي إلى كارثة، ولن يعود من الممكن بعدها الحديث عن تداعيات إقتصادية.
أمّا عن خطط الطوارىء التي تضعها الحكومة، رأى فرح، أنه لا يُمكن تسميتها في الحقيقة خططاً فعلية، بمعنى أنها مجرد محاولات وإجراءات يفكّرون باتخاذها، وهي لا تهدف للتخفيف من التداعيات على الأقتصاد، أو من التداعيات الكارثية ما بعد الحرب، بمعنى أن هذه مجرد إجراءات بالأمكانات القائمة، لتخفيف معاناة الناس.
وبالسؤال عن مصادر التمويل، كشف فرح أنه في ظل انعدام مصدرٍ للتمويل، ستكون الإجراءات ضعيفة وقابلة للإنهيار بسرعة كبيرة، مشيراً إلى أن “هذا الكلام يقوله أصحاب الشأن الذين يجتمعون لتقرير الأجراءات التي يسمّونها خطط طوارىء، وهم أيضاً يعترفون أنها ممكن أن تنهار فوراً في حال كانت الحرب شاملة وقاسية”.
و بالتالي، يستنتج فرح، بأن ما من خطة طوارىء، لأن الخطط تحتاج لتمويل ضخم لكي تكون بحجم الحدث المتوقع، حيث أن احتمال الحرب الشاملة، يعني احتمال الإنهيار الكبير والكارثة، كما أن الإجراءات التي يتمّ التوافق عليها، قد لا يتمّ تنفيذها عندما تحصل الكارثة.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، تحدث فرح عن “وضع غير مريح” في كل القطاعات الإقتصادية، مكرراً أن الإنتعاش الجزئي الذي شهده القطاع الخاص في السنة الأخيرة، يحتاج إلى تكامل، بمعنى أن الإقتصاد يعمل في غياب القطاع المصرفي الذي لم يتمكن من استعادة دوره الطبيعي، وبالتالي لا يمكن أن يكون في لبنان اقتصاد طبيعي من دون قطاع مصرفي، لذلك، فإن ما يحصل اليوم يؤثر على كل القطاعات بما فيها القطاع المصرفي، الذي ما زال منذ أربع سنوات، يستننزف قدراته و ينتظر قراراً من الدولة.
ووفق فرح، فإن اندلاع الحرب، سيعرّض القطاع المصرفي لصعوبات عدة خصوصاً وأنه يعاني استنزاف الأموال من دون أن يكون لديه أي وسيلة لأدخال أموال جديدة الى صناديقه، وبالتالي فإن مصير المصارف و مصير الإقتصاد و مصير المودعين، في خطر شديد إذا استمر الوضع الحالي لمدة طويلة وانتقلت الحرب إلى لبنان، إلاّ أن الأخطر ما فيها ورغم المآسي، سيكون واقع ما بعد الحرب عندما يدرك كل اللبنانيين أنهم لا يملكون المقومات للنهوض من جديد.