التخطي إلى المحتوى

بيروت –  أعرب رئيس بعثة الصندوق إلى لبنان إرنستو راميريز ريغو، أن إجراءات مصرف لبنان ليست كافية لإنقاذ الاقتصاد، بسبب عدم قدرة الزعماء السياسيين على تنفيذ الإصلاحات اللازمة للإفراج عن المساعدات الدولية، بينما تعاني البلاد من أزمات متعددة.

وأكد رئيس البعثة  في ختام زيارة إلى بيروت إن “لبنان لم يقم بإصلاحات عاجلة، ما سيثقل كاهل الاقتصاد في السنوات المقبلة”.

وأعلن صندوق النقد الدولي في نيسان/أبريل 2022 عن اتفاق مبدئي مع لبنان على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات، لكن تطبيق الخطة مرتبط بالتزام الحكومة تنفيذ إصلاحات مسبقة، لم تسلك غالبيتها سكة التطبيق بعد.

وقال راميريز ريغو إن زيادة موسمية في السياحة رفعت نسبة التدفقات النقدية الأجنبية. وأضاف أنّ “ذلك يعطي انطباعاً بأن الاقتصاد بدأ ينتعش، ويؤدي إلى الرضا عن النفس”. وتدارك “لكن عائدات السياحة والتحويلات المالية أقل بكثير مما هو مطلوب” لمنع تدهور الاقتصاد.

ومعظم السيّاح من لبنانيي الانتشار عادوا إلى وطنهم لقضاء العطلة الصيفية.

ويشهد لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ العام 2019، وبات غالبية سكانه تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة.

ومن بين الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، اعتماد موازنة للعام 2024، وتعديل قانون السرية المصرفية، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي.

ونفذ لبنان بعض الإصلاحات، بينها اعتماد ميزانية متأخرة للعام 2023، لكن صندوق النقد أعرب مراراً عن أسفه للتقدم البطيء، معتبراً أن التدابير المتخذة غير كافية.

وأكد أن هناك فرصة لإجراء إصلاحات شاملة لتعزيز الحوكمة والمحاسبة في مصرف لبنان المركزي، لكن الحكومة بحاجة لتنفيذ استراتيجية مالية متماسكة لاستعادة القدرة على تحمل أعباء الديون، وإفساح المجال للإنفاق الاجتماعي والإنفاق على البنية التحتية.

وفي 29 حزيران/يونيو، حذر صندوق النقد الدولي من أن “استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه يشكل الخطر الأكبر على استقرار لبنان الاقتصادي والاجتماعي، ويقود البلاد إلى طريق لا يمكن التنبؤ به”.

وفي 31 تموز/يوليو، انتهت ولاية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، الملاحق قضائياً في لبنان وأوروبا، بدون تعيين بديل منه بسبب خلافات بين القادة السياسيين.

وكُلّف النائب الأول للحاكم وسيم منصوري مسؤوليات الحاكم بالوكالة، في بلد تقوده حكومة تصريف أعمال محدودة الصلاحيات، ويشهد فراغاً في سدة الرئاسة منذ أكثر من عشرة أشهر.

وقال المنصوري، في أول تصريحات له بعد توليه المنصب، إن المصرف لن يطبع الليرة لإقراض الدولة أو لتغطية العجز المتوقع في البلاد التي تعاني من أزمة، وحث الزعماء على إجراء إصلاحات مالية عاجلة.

وحذر من أن عدم إقرار القوانين الإصلاحية سيؤدي إلى تنامي الاقتصاد النقدي مما سيؤثر سلبا على الاستقرار الاقتصادي ويعرض لبنان لمخاطر عزله عن النظام المالي الدولي.

وأشار في تصريحاته إلى أنه تم التوافق مع رئيس الحكومة ووزير المال على أن يكون الاستقرار النقدي هو الأولوية في هذه المرحلة الدقيقة ولذلك فإن الاستحقاق الآتي المتعلق بهذا الاستقرار هو دفع رواتب القطاع العام، فالكتلة النقدية التي يتطلبها هذا الاستحقاق هي حوالي سبعة تريليونات ليرة، وإذا جرى دفع الرواتب بالليرة اللبنانية سيؤدي ذلك في غياب القوانين الإصلاحية المطلوبة والتدابير الحكومية إلى الضغط على سعر الصرف.

لكن منصوري استطرد أن “الاستدامة تكون في الإصلاحات. لذلك يقتضي الإشارة إلى أن الاستقرار النقدي الذي يحققه المصرف المركزي له حدوده في الزمان والظروف السياسية والأمنية المتعلقة ولا يمكن للمصرف المركزي وحده التحكم بالسياسة النقدية والحفاظ على استقرار العملة النقدية دون تعاون تام مع الحكومة والمجلس النيابي”.

ومن بين القرارات الجديدة التي اتخذها المصرف، وقف عمل منصة الصرف المثيرة للجدل المعروفة باسم صيرفة، واعتماد منصة إلكترونية مدارة من مؤسسة بلومبرغ الأميركية لضبط سعر صرف العملة.

وقال سليم شاهين أحد نواب حاكم المصرف لرويترز إن المصرف سيضع قيودا على الوصول لمنصة جديدة لتداول العملات بما يضمن أن الدولارات المتداولة في النظام تأتي من “مصادر مشروعة”.
وتزامن إطلاق المنصة مع إصدار المركزي لمجموعة جديدة من التعميمات التي تحدد المؤهلات والأدوار والآليات التنظيمية للمستخدمين المصرح لهم، والمعروفين باسم صانعي السوق.

وصرح مدير المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني بأن اعتماد المنصة الجديدة يعني توحيد أسعار الصرف، والعودة إلى سوق طبيعية.

وقال لبلومبرغ الشرق إن “إشراك البنوك في المنصة سيسمح بتخفيف الاقتصاد النقدي وعمليات التداول من خلال الكاش، مما يساهم في تخفيض وليس إلغاء، شبهات تبييض الأموال والإرهاب”.

ومع ذلك لفت مارديني إلى أن السوق الموازية للعملات لن تندثر وستبقى، ولكن المنصة الجديدة من المرجح أن تساهم في تقلصها.

وكان البنك الدولي قد ذكر في تقرير إن “منصة صيرفة، وهي الأداة النقدية الرئيسية للبنك المركزي اللبناني لجعل الليرة مستقرة، ليست مجرد أداة نقدية لا تلقى شعبية، لكنها تحولت أيضاً إلى آلية لجني أرباح من خلال اختلاف سعر الصرف”، وأشار إلى أن المشترين على منصة صيرفة ربما جنوا ما يصل إلى 2.5 مليار دولار من خلال فرق سعر الصرف.

ووصف البنك الدولي صيرفة بأنها إحدى “أضعف السياسات التي نفذتها السلطات اللبنانية منذ اندلاع الأزمة، وأنها غالباً ما أتت بنتائج عكسية”.

وقدمت شركة “آلفاريز آند مارسال” مؤخرا تقريرا يلخّص أبرز استنتاجات عمليّة التدقيق الجنائي الأولي في المصرف المركزي اللبناني.

وتناول التقرير مجموعة من المعطيات تتعلق بالملفّات التي تحقق فيها المحاكم اللبنانية والأوروبيّة، بخصوص شبهات الاختلاس وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع، التي تحوم حول حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة وشركائه.

وينتظر اللبنانيون من مجلس الوزراء تكليف مجموعة من الخبراء المستقلّين، لدراسة التقرير والملفات التي كشف عنها، واستكمال البحث في حجم الخسائر المتراكمة في ميزانيّة مصرف لبنان، وأسبابها والمسؤولين عنها.

وينتظر اللبنانيون من مجلس الوزراء تكليف مجموعة من الخبراء المستقلّين، لدراسة التقرير والملفات التي كشف عنها، واستكمال البحث في حجم الخسائر المتراكمة في ميزانيّة مصرف لبنان، وأسبابها والمسؤولين عنها.